الأخت من فين؟

تدهور السمعة السودانية (الجزء الثاني)

1203_sun_taxi630_18bnnjv-18bnnl4

في إحدى الأيام اضطررت أن أخذ سيارة تاكسي لأذهب  لمقابلة عمل (انترفيو)، وبينما  كنت اقف في الشارع  في انتظار تاكسي لمدة ثلث الساعه حرقت فيها الشمس ما حرقت من بشرتي  فخرب المزاج العام قبل المقابلة والشمس تزداد حرارة (وكأنه في زول مغالطة إنها ما حارة ). شعرت وكأني أكفر عن ذنوبي التي ارتكبتها وأخرى لم ارتكبها بعد، توقفت سيارة تاكسي وبسرعة شديدة ركبت السيارة علي اظفر ببعض الهواء من مكيف السيارة التي كان سائقها عربي الجنسية يتحدث في الموبايل وقد رفع الصوت لكي يستطيع سماع الطرف الأخر بوضوح .

بعد أن وصفت له المكان المقصود بدأت الاستعداد للمقابلة بترتيب أفكاري وتجهيز أجوبة الأسئلة المعتادة التي تُسأل في مثل هذه الظروف.

لم أكن يوم من الأيام مِن من يحبون هذه المقابلات لما فيها من مبالغات (بوبارشديد يعني). كانت أول مقابلة لي في بلد عربي ولم أكن أعرف إذا كانت تتسم بنفس الطريقة والأسلوب كما في أمريكا وكندا أم بها قليلا من التواضع.  بدأت أتخيل الأسئلة لكي أعد أجوبة لها في ذهني محدثة بها نفسي.

س : كم عدد سنين خبرتك في المجال المطلوب ؟

ج : ١٥ سنة .(ده شنو يا روان؟! بتشتغلي من كنتي في الإعدادي يعني؟ بطلي كذب! خليهم  ١٠ ، ١٠ معقوله برضو ).

س  : بتطبعي كم كلمة في الدقيقه ؟

ج : ٧٠ كلمة في الدقيقه. (جنس كذب! أصلك مكنة طباعة!)

س : ما هي مؤهلاتك في الكمبيوتر ؟

ج :Microfocus , Databus, Mapper, VB, C++, RPG 400, GUI. (بلاي عليك! يعني كان كده Bill Gates يقول ليك يا خالتو! حقو تقولي ليهم إنك أحسن إختراع بعد الميكروويف وخلاص! ما حتشتغلي يا روان عشان الكذب ده حيطردوك من خشم الباب).

وبينما أنا وضميري الغير مستيقظ بعد منشغلين في الاستعداد للمقابله لفت انتباهي كلمه قالها السائق دائما ما تقطع حبل أفكاري عند سماعها ألا وهي ‘ السوداني’ . فبدأت أستمع لمكالمة السائق وهو كما بدا لي كان يتحدث مع إمرأة اسمها أمل ، كرر اسمها عدة مرات ، يعملان سويا في محل بيع للعقارات (سماسرة يعني).

السائق: ليش كلمتيه بمكان المجمع؟ ما بصدق إنك عملتي هيك !!

أمل: ليش؟ إيش فيها ؟؟ (بصوت مستغرب)

السائق: إنتي متاكدة إنك كلمتي ناصر السوداني؟

أمل: أيوه!

السائق: ناصر هادا ببيع أمه بنعال! ماعنده ذمة و ما بتوثق فيهو !!

أمل: إيش راح يصير يعني؟

السائق: ناصر ومحمد السودانين ما ممكن تأمني ليهم! هلأ ما راح يتقاسم معاكي العمولة وراحت علينا كلنا عمولة المجمع!!

أمل: أنا بحكي معو .. ما ممكن يعمل هيك!

السائق:  والله انت على نياتك يا أمل! حذاري توثقي في السودانين هذولة مرة تانية ، هذولة ما بيخافوا الله. ما قادر أصدق إنك عملتي هيك!! ( بصوت محبط و غاضب)، خليني أتصل بأبو خالدعشان نشوف شو بدنا نساوي.

(طبعا أنا نسيت المقابله و بقيت  في ناصر وأمل!  شكيتك على الله يا ناصر نسيت اجوبة المقابله كلها في داعي تنصب على سماسرة الدوحة)

السائق: (بعد ما إتصل بأبو خالد) تصدق أمل حكت لناصر بمكان المجمع !!!!

أبو خالد: أنت عم تمزح ! (أبو خالد زاتو عارف ناصر نصاب!)

السائق:أه و الله! أمل جديده في الشغل و مابتعرف ناصر ومحمد كويس، ضحك عليها واخد عنوان المجمع ، كل العمولات راحت علينا !

أبو خالد: روح المجمع  دا الوقت و واجهوا هناك مع العملاء وهدده ، لو ما تقاسم معنا كلنا العمولات حانشتكيه للبنك!

السائق: إيش نشتكيه!! ما أنت عارف إنو البنك صاحب المشروع ما بفرق معو مين ببيع ومين بياخد عمولة ومين ما بياخد! أهم شي إنو المجمع كلو يتباع!

أبو خالد: أنت اتوكل بس وقولو هيك ، الله كريم شو بدنا نساوي.

دائما في مثل هذه المواقف ما يدور في ذهن البنت السودانية حوار تسمع فيه صوت أمها ينصحها أو يعاتبها. نقاش تعرض فيه كل واحده رأيها وتحاول كل منهن إقناع الأخرى ودائما ما ينجح صوت الأم فتستسلم البنت لخبرة امها وتمكنها وتنفذ رأيها أو بمعنى أخر تتصرف كما تعتقد أن أمها سوف تتصرف في مثل  هذا الموقف. صوت تُربيه كل أم سودانية في بنتها يحمل فيه أراها ليحل مكانها في غيابها وتدربها علي  حسن التصرف  تجاه مواقف الحياة المختلفة وبذلك تشعر بقليل من الاطمئنان المؤقت إلى أن تلتقي بها مرة أخرى (والشغل يبدا من تاني).

أنا: أها يا ماما أعمل شنو حسي لو السواق سألني إنتي من وين ؟ أنا عندي توتر من المقابله و حاسه بي ركبي بدت تسيح.

أمي: (بصوت صارم وكلو ثقه): تعملي شنو كيف؟ لازم تفهميه من هو الإنسان السوداني ،لازم تقولي ليه بكل فخر إنك سودانية بنت الملوك وحضارة التلات آلاف سنة!

أنا: ماما!! ملوك و حضارة شنو قال ليك ناصر ببيع أمه بنعال وهو ومحمد ناصبين على سماسرة قطر وحسي عاملين ليه كمين! في أولاد ملوك حراميه؟ عليك الله يا ماما ما عايزة أدخل في مواجهه قبل المقابله ،خصوصا و أنا جعانة! وحسه زاده علي السواق دا وناصر.

ماما: جعانة مالك؟ ما فطرتي؟

أنا: لا ، ما لقيت وقت كونته بطبع في ال C.V.

ماما: روان؟ كم مره قلت ليك ما تطلعي من البيت ما فاطره؟ حسي حاتمشي تهضربي ليهم في المقابله.

أنا: والله يا ماما لو عارفة الموضوع فيه ناصر ومحمد كان فطرت بي ٣ سندويشات شاورما و صحن حمص من الحجم الكبير!

ماما: المهم ، أنا ربيتك إنك ديما تكوني فخوره إنك سودانية لازم تقولي ليه إنو أي بلد فيها الصالح والطالح. لازم يعرف إنو الشوارع البسوق فيها دي مخطيطنا سودانيين والمستشفيات دي كلها رؤساء أقسامه سودانيين والوزارت دي من أهم من أسسه سودانين، يا بنتي لازم تكوني رافعة راسك فوق إنتي سودانية ما أي كلام  ومواقف زي دي وأفظعها منها موجودة في كل العالم.

أنا: إنتو يا ماما بعد ما جيتو في السبعينات وأسستو الدول العربية  دي و ولدتو نسوانهم ونفستوهم وعالجتوهم وقريتو أولادهم وعلمتوهم ونجحتوهم واحتلوا اعلي المناصب بجدارة ما رجعتوا تبنوا السودان دا  ليه؟ المثل الافريقي بقول إحذر أن تأخذ ملابس من شخص عريان، والتعليم والصحه في السودان حسي ماشين أم فكو !

عليك الله يا ماما الكلام ده عشان أصدقه داير ليه بطن مليانة وأنا حسه جعانه ووجعانه، لو قال لي ما كان الأولي تبنوا  بلدكم البقت من أول الدول المتخلفة أقول ليه شنو ؟

ماما: لازم تعرفي إنو أي دولة بتمر بي أزمات ومشاكل بطلع منها زي نوعية ناصر ومحمد ديل , بكونوا ضعاف نفوس وما لازم نفقد شعورنا بالفخر بسببهم اوعشان ظروف قاهره بنمر بيها، إنتي سودانية لازم السواق ده  يقرا التاريخ عشان يعرف من هي السودان بلد الإمام المهدي ، المك نمر وعلي عبد اللطيف ومهيرة بت عبود , بلد زاخر بالبطولات والمواقف التاريخية المشهودة ونحن ناس مروءة وكرم وأخلاقيات لا يوجد  لها مثيل في بلد اخر ما تخلي أمثال ناس ناصر ديل يغيروا فيك أي حاجه يا بتي أو يهز شعرة من تاريخك التليد.

أنا: ماما! الراجل ده لو عملته ليه درس تاريخ عن السودان حسي حيرميني في الكورنيش و حموت غرقانه!

ماما: سمح عالمناكم السباحة ليه ؟

أنا: عشان لو في شعوب إساءة لينا ورمونا في البحر نعرف نعوم ؟

ماما: رونة يا حبيبتي لاز….

حينها السائق انتهى من المكالمه والتوتر بدأ أن يظهرعليه حيث أدرك أن الزبونه السمراء اللون قد تكون سودانيه ،فسألني بصوت متردد ‘ الأخت من فين؟’

أنا: بكل ثقه وصوت قوي أجبت: الأخت من إثيوبيا !

روان إبراهيم

20/08/2013

3 thoughts on “الأخت من فين؟

  1. جميل. واوافقك الراي الشعب السوداني ليس مثالا للكلام والشهامه والاخلاق في الوقت الحالي. هذه الحقيقه يجب ان ت}خذ بعين الاعتبار

  2. وهم كبير يعشش في أمخاخ كثير من السودانيين أننا نحن الأفضل والأكمل ويا دنيا ما فيك إلا نحن وفي الحقيقة نحن بشر وليس ملائكة وككل البشر نخطيء ونصيب ومنا الصالح والطالح والوطنية عندنا معدومة وخيرنا وعلمنا لغيرنا ونحرم منه أهلنا وبلدنا

What do you think?